للعام الثالث.. السودان يتصدر قائمة "الإنقاذ الدولية" للأزمات الإنسانية

للعام الثالث.. السودان يتصدر قائمة "الإنقاذ الدولية" للأزمات الإنسانية
النزوح في السودان- أرشيف

تصدر السودان مجدداً قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية، في مؤشر جديد على عمق المأساة التي يعيشها ملايين المدنيين منذ اندلاع النزاع المسلح قبل أكثر من عامين، ويعكس هذا التصنيف للعام الثالث على التوالي حجم الانهيار الإنساني الشامل الذي تعجز الجهود الدولية حتى الآن عن احتوائه، وسط تراجع حاد في الخدمات الأساسية وتفكك شبكات الحماية الاجتماعية وغياب الأمن الغذائي لملايين الأسر.

أزمات إنسانية

وبحسب ما أوردته وكالة رويترز، فإن القائمة التي نشرت اليوم الثلاثاء تسلط الضوء على 20 دولة تواجه أعلى مخاطر تفجر أزمات إنسانية جديدة أو تفاقم أزمات قائمة، وجاء السودان في المرتبة الأولى بينها، ويعتمد التصنيف على مؤشرات متعددة تشمل النزوح والجوع وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية ومستوى الاستجابة الإنسانية الدولية.

وقال ديفيد ميليباند الرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية إن ما يجري في السودان لا يمكن اعتباره مأساة عابرة أو كارثة خارجة عن السيطرة، بل نتيجة مباشرة لتقاعس المجتمع الدولي، وأضاف أن العالم لا يكتفي بعدم الاستجابة الكافية، بل يسهم بتجاهله في إطالة أمد المعاناة وتعميقها، وأكد أن حجم الكارثة في السودان بات الأكبر إنسانيا على الإطلاق وفق المعايير المسجلة، وهو ما يشكل دليلا صارخا على فشل جماعي في حماية المدنيين.

نزوح غير مسبوق ومعاناة يومية

ومنذ اندلاع النزاع الداخلي في أبريل 2023، شهد السودان موجة نزوح هي الأكبر في العالم، حيث اضطر أكثر من 12 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم بحثا عن الأمان، ويعيش الملايين من هؤلاء في مخيمات مؤقتة أو مناطق مكتظة تفتقر إلى المياه النظيفة والغذاء والرعاية الصحية، فيما لجأ آخرون إلى دول الجوار في ظروف إنسانية شديدة القسوة.

وتشير تقارير إنسانية إلى أن كثيرا من الفارين تعرضوا أثناء رحلات النزوح للنهب وفقدان أفراد من عائلاتهم، كما سجلت حالات واسعة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى الصدمات النفسية التي تطال الأطفال والنساء بشكل خاص، وفي ظل شح الموارد، يعجز العاملون في المجال الإنساني عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات النازحين، ما يجعل البقاء على قيد الحياة تحديا يوميا.

انهيار الخدمات وتهديد المجاعة

ويعاني السودان من انهيار شبه كامل في البنية التحتية الأساسية، حيث خرجت العديد من المستشفيات عن الخدمة، وتوقفت المدارس في مناطق واسعة، بينما تدهورت شبكات المياه والكهرباء، وفي الأرياف والمناطق المتضررة من القتال، بات الوصول إلى الغذاء مسألة مصيرية، مع تحذيرات متكررة من تفشي المجاعة وسوء التغذية الحاد، خصوصا بين الأطفال وكبار السن.

وتؤكد منظمات الإغاثة أن نقص التمويل يمثل أحد أكبر العوائق أمام الاستجابة الإنسانية، في وقت تتزايد فيه الاحتياجات بوتيرة تفوق بكثير ما يتم توفيره من مساعدات، ومع استمرار عدم الاستقرار، تتقلص فرص التعافي الاقتصادي، ما يفاقم الفقر ويدفع المزيد من الأسر إلى حافة الانهيار.

السودان في قلب خريطة المعاناة العالمية

وجاءت الأراضي الفلسطينية وجنوب السودان وإثيوبيا وهايتي في المراتب التالية على قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية، إلا أن السودان ظل في الصدارة نظرا لاتساع رقعة النزوح وشدة الانهيار المؤسسي، وأوضحت لجنة الإنقاذ الدولية أن الدول العشرين المدرجة في القائمة لا تمثل سوى 12 بالمئة من سكان العالم، لكنها تضم ما يقارب 89 بالمئة من الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية.

وأضافت اللجنة أن هذه الدول مرشحة لاستضافة أكثر من نصف من يعيشون في فقر مدقع عالميا بحلول عام 2029، ما ينذر بتداعيات طويلة الأمد تتجاوز حدودها الجغرافية وتؤثر على الاستقرار الإقليمي والدولي.

أزمة تتجاوز الأرقام

ورغم ضخامة الأرقام، يؤكد العاملون في المجال الإنساني أن الأزمة في السودان لا تختزل في الإحصاءات وحدها، بل تتمثل في قصص بشرية يومية عن فقدان المنازل والأحلام والأمان، آلاف الأطفال حرموا من التعليم، وأمهات يبحثن عن الغذاء وسط الدمار، ومجتمعات كاملة تفككت تحت وطأة العنف والنزوح.

ويحذّر مراقبون من أن استمرار تجاهل الأزمة أو الاكتفاء باستجابات محدودة سيؤدي إلى جيل كامل مهدد بالضياع، مع آثار نفسية واجتماعية عميقة يصعب علاجها مستقبلا، كما أن غياب الحلول السياسية الشاملة يضع أي جهود إنسانية في مواجهة تحديات متزايدة.

دعوات لتحرك دولي 

دعت لجنة الإنقاذ الدولية إلى تحرك دولي أكثر جدية، يشمل زيادة التمويل الإنساني وضمان وصول المساعدات دون عوائق، إضافة إلى الاستثمار في حماية المدنيين ودعم المجتمعات المحلية، وتشدد على أن إنقاذ الأرواح في السودان لم يعد مسألة خيار، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية عاجلة.

تعد قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية مرجعا سنويا لرصد أخطر الأزمات في العالم، وتعتمد على تحليل شامل لمؤشرات النزاع والنزوح والجوع والاستجابة الدولية، ويأتي تصدر السودان للقائمة للعام الثالث على التوالي في ظل نزاع مسلح اندلع في أبريل 2023، أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتدمير واسع للبنية التحتية، وأطلق أكبر أزمة نزوح مسجلة عالميا، وفي سياق دولي يشهد تعدد الأزمات وتراجع الاهتمام الإعلامي والتمويلي، يحذر خبراء من أن السودان بات نموذجا لكارثة إنسانية شاملة في ظل غياب الحل السياسي وتراجع الإرادة الدولية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية